الاثنين، 5 أكتوبر 2009

ثقافة وفكر: المجتمعات العربية وإشكالية انحسار العقل وتفوق الخرافة

ثقافة وفكر: المجتمعات العربية وإشكالية انحسار العقل وتفوق الخرافة

المجتمعات العربية وإشكالية انحسار العقل وتفوق الخرافة

شكل موقف المجتمعات العربية من العقل مجالا خصبا للدراسات والأبحاث والرؤى الفلسفية المختلفة، بل أمتد الأمر في بعض جوانبه إلى قطاع المصلحين الدينيين الذين استوقفتهم حالة مجتمعاتهم التي تركن إلى الخرافة والبدع أكثر من ركونها إلى العقل والأخذ بأسباب القوة والتطور·

وتطرح وضعية العقل في المجتمعات العربية فعلا هموما فكرية لدى المثقفين العرب، فلماذا لم يتمكن الشخص العربي من الانتقال من العقلية البدعية (من البدع) إلى عقلية التفكير العقلاني والمعقلن في الوجود؟

قد نجد بعض الإجابات لهذا التساؤل في بنية المجتمعات العربية نفسها، فطابعها التقليدي وبالمحافظبشجع على ظهور مثل هذا النزوع المجتمعي نحو الارتهان لماهو غيبي والابتعاد عما هو حسي وعيني·نحن هنا لا ننكر أهمية الغيبي في حياة الشعوب ولكن هذا الغيبي يجب أن تتم عقلنته وأن يعامل على انه معطى من ضمن مجموعة معطيات أخرى تتقاطع مع الواقع والوجود·ولن نرجع هنا إلى الإشكاليات التي ظهرت في الفكر الإسلامي-ولازالت-حول ثنائية العقل والنقل وأيهما أجدى أن يتبع، على الرغم أن المسالة بمجملها كانت لتكون بسيطة لو تم الاعتماد عليها الاثنين في الوصول إلى الحقيقة·

كما أن فترة الاحتلال في معظم الدول العربية ساهمت في ترسيخ مفاهيم الارتباط بالخرافة لان هذا الأمر يخدم القائمين على المؤسسة الاستعمارية على اعتبار أن احتواء هذه التصورات للفرد تجعل منه خاضعا لقوى لا يمتلك فرصة لمواجهتها لأنها ببساطة غير عينية ولا يمكن التحكم فيها أو كشف قوانينها ولنا في التجربة الفرنسية المريرة في الجزائر خير مثال، فإدراك فرنسا لأهمية نشر فكر المزارات والتبرك بالأولياء في ذهنية المجتمع ودعم الخرافات لديه جعلها تشجع انتشار مثل هذه السلوكيات·كما أغلقت الدائرة من خلال حصار الفكر التنويري عن طريق تحديد عدد المنتمين إلى المدارس من المجتمع الجزائري·

أضف إلى كل ذلك فإن منظومة التخلف التي مازالت تحكم المجتمعات العربية أثرت بقوة في تدعيم هذا النمط من التفكير، بل إن مؤسسات التنشئة الاجتماعية العربية تساهم-بدون أن تدري-على ترسيخ قيم الابتعاد عما هو مفكر فيه وتؤسس لما هو مأخوذ حرفيا وإعادة إنتاجه وتصديره داخل كل البنية الاجتماعية·

ولا ننسى هنا نسب الأمية التقليدية والحديثة المنتشرة داخل المجتمعات العربية، والتي تتعارض جوهريا مع كل مفهوم للنهضة والتطور، فهي تقعد لكل أشكال الجهل والتخلف والاندراج في أشكال السحر والغيبيات غير المعقنلة·إن هذه الوضعية المؤسفة تدعو إلى إعادة النظر في سياسات امكافحة الأميةب بل إن الأمر يجب أن يمتد إلى أكثر من ذلك، فيجب الوعي بضرورة مكافحة الأمية الحديثة والمتمثلة في الجهل بالكمبيوتر والانترنيت كما يجب إعادة النظر في المنظمة التربوية في المجتمعات العربية والتفكير فيها بشكل أكثر جدية وإسناد أمر إصلاحها وتقويمها إلى المتخصصين·بعيدا عن الديماغوجية والتوجيهات السياسوية العقيمة التي لم تعد تنفع في عصرنا·

لا توجد طبعا حلول سحرية لهذا الوضع، إنما العملية يجب أن تمر-حتما-من خلال إيجاد منظومة فكرية اجتماعية وتربوية حديثة تحافظ على ماهو غيبي ديني ضمن الفهم الصحيح له، وفي نفس الوقت-سواء بسواء-تدفع نحو العقلنة الاجتماعية للسلوك الفردي وبعث ثقافة ناقدة تنتشر في الجسد الاجتماعي العربي·وهذا الأمر يحتاج إلى تثقيف الجيل الجديد وتوعيته بوضعيته ضمن المسار التاريخي والآمال التي ينتظرها منه مجتمعه·

برأيي بدون تحديد الخطوط المستقبلية التي تراهن عليها المجتمعات العربية وتحديد الهدف من كل الخطط التنموية ، دون تحقق كل ذلك، فلن نستطيع أن نخرج من دائرة التخلف التي تولد بدورها منظومة التفكير السطحي واللاناقد والذي ينزع إلى الخرافة·

الأربعاء، 19 أغسطس 2009

العرب وديمقراطية الإقصاء

العرب وديمقراطية الإقصاء

تأخذ الديمقراطية في الوطن العربي أشكالا و تمظهرات تبدو غريبة عن أصل الديمقراطية التي نبتت في بيئة خاصة وفي سياقات تاريخية و سوسيولوجية طبعت نشأتها وانجلائها في عالم كان يشهد ركودا سياسيا تميز بالفكر الاقصائي و الأحادي.

إن القارئ الجيد للتاريخ يلاحظ أن هناك مرحلة وسيطة بين التراكم التاريخي الذي تم في الغرب لتشكيل الديمقراطية بمفهومها الراهن-والتي تبقى في حالة بناء دائم وغير كاملة-وأشكالها الأولى الوسيطية، تمثلت في ظهور ما يسمى بعصر الأنوار.هذا العصر الذي شكل –برأيننا- لحظة فارقة في تاريخ الغرب من حيث إنتاجه للمعرفة الممهدة للتغيير، وهو الدور الذي مازال ينادي به المثقفون العرب الآن لإحداث تحول جوهري في المفاهيم المجتمعية السائدة والتي تعارض التحول من أنماط استبدادية في بعض الدول العربية إلى أنماط تشاركية.

الدرس الذي نؤكد عليه هنا هو أن ظهور فلاسفة ومثقفين ينادون بأفكار جديدة: الحرية، التقدم، السعادة، الطبيعة، الشعب... فانتقدوا الرقابة والقمع في مجال الأفكار والرأي والاقتصاد والسياسة رافعين شعار" دعه يعمل، دعه يمر"، حول بنية التفكير الغربي المجتمعي من نمط أحادي فردي غير معترف بمبدأ التغير ولا بمبدأ المشاركة، إلى منظومة فكرية-بالدرجة الأولى-وسياسية-بالدرجة الثانية-تتقبل الآخر وتتعايش معه وتقبله على علته.

ولقد جاءت أفكار فولتير المحافظة، ثم أفكار مونتسكيو الذي ميز بين الحكم الجمهوري والملكي والمستبد مبرزا القمع الذي يتسبب به هذا الأخير وأفكار جان جاك روسو الذي انتقد الاستبداد بجميع أشكاله و نادى بالديمقراطية والمساواة والحرية، لتشكل –كلها-روافد نحو التغيير التاريخي الكبير في تصور الغرب لأنماط الحكم والتعايش مع الآخر.كما أن تنظيم العلاقة بين ماهو دنيوي وماهو ديني مكن العالم الغربي من إحداث قطيعة مع تدخل الفكر الكنسي- الذي ظل جاثما على نفوس العلماء- في شؤون العلم والبحث عن المعرفة.

إن هذه القطائع في مجملها حررت طاقات الغرب وأعطته دفعة تاريخية كبيرة نحو الأمام مازال لحد اللحظة يتغذى منها ويقدم عن طريقها إنجازات فاقت تصور الإنسان عبر تاريخه الطويل.

و ارتبط مفهوم الديمقراطية بظهور مفهوم آخر مجاور هو مفهوم المواطنة الذي يقدم الناس ليس كأشياء أو ممتلكات للحاكم وإنما كأشخاص لهم حقوق مدنية وسياسية كاملة في كنف الدولة.

العرب وديمقراطيتهم:

يجب الإقرار منذ البدء أن محاولة تعميم المفاهيم المنتجة في بيئات سوسيولوجية محددة على بيئات أخرى يعتبر أمرا منافيا للمنطق السليم، وهو الأمر الذي يمكن تطبيقه على الديمقراطية.بمعنى آخر، إذا كانت المكاشفة تقول بأن العرب لا يطبقون الديمقراطية فإن المكاشفة تقول أيضا أن لهم نظامهم الخاص في المشاركة السياسية يطلق عليه "الشورى".

إلا أن الملاحظ على هذا النظام الذي وضعت أسسه الشريعة الإسلامية كمبدأ مهم في تجنب تعسف الأنظمة السياسية، أنه لم يشهد تطويرا فلسفيا وتأصيلا نظريا سواء كان سياسيا أو سوسيولوجيا حتى يتمكن من الاستجابة لحاجات المجتمعات العربية في المشاركة والاعتراف كما هو معمول به في الأنظمة الديمقراطية الغربية.* بمعنى لم نشهد في عالمنا العربي"عصرا للأنوار" الفكري على شاكلة ما شهدته أوروبا يمحص في مفهوم الشورى ويوجد له آليات للتطبيق ووسائل للتقويم بدون النظر إليه بشكل تقديسي غير قابل للمناقشة والأخذ والرد.

وهنا تحديدا تبرز مشكلة أخرى في العقل العربي وهي انطوائه في دوغمائيات مغلقة لا تخص النص القرآني- الذي هو بالفعل النص الأول والمرجع الأساس في أي تصور وبناء للمجتمع-، ولكن على مستوى انغلاق الفكر والإنتاج المعرفي في زوايا بنيت من التقاليد والعادات التي اقتربت في أحيان كثيرة إلى المقدس على الرغم من أنها منتوج إنساني صرف.

إن محاولة تطبيق الديمقراطية بالقوة وبدون معاينة سوسيولوجية لواقع البيئة العربية ومكوناتها التاريخية والنفسية يمثل تعسفا نخبويا غير مقبول وغير قابل للحياة في البيئة العربية.ولعل هذه المواقف ناتجة من انبهار بعض النخب العربية بالنموذج الديمقراطي الغربي مما أفقدها كل حس نقدي ملائم لطبيعة مجتمعاتها.

لو أخذنا بعض الوقت وقيمنا "الديمقراطية العربية" لتبين لنا عمق التناقض الواضح بين ما يعتبره بعض العرب ديمقراطية وبين ما جاءت به الديمقراطية نفسها من مفاهيم وتصورات للعالم الاجتماعي.

فالسلوكيات البسيطة اليومية العادية التي لا تلفت نظر أي أحد منا تمثل قمة الممارسات اللاديمقراطية بل إنها تصنف في خانة السلوكيات الاقصائية.وتبدأ الحكاية في الأسرة وتذهب إلى ما غيرها من مؤسسات رسمية وغير رسمية.فتصورنا عن الفرد/الشخص/الإنسان هو تصور مكاني ثقيل يجعل منه أقرب للشئ/المادة الخالي من الشعور والإحساس والآمال منه إلى إنسان كرمه الله بالعقل والقدرة على الفهم والتمعن في الأشياء.

إننا لا نثق في المقولات "المنافقة" التي تقول بأننا ديمقراطيون أكثر من الغرب وأننا نحترم حقوق الإنسان وبالمناسبة حقوق الحيوان والشجر والماء والسماء..

فلنكن صرحاء مع أنفسنا ولنضع لحظات للمكاشفة ولنبدأ في التفكير وإعمال العقل في راهننا وفي تاريخنا وفي مستقبلنا وهي الأدوات الوحيدة التي ستمكننا من النهوض بعد طول نوم.

وتأخذ أدوات المكاشفة والمصارحة كامل مشروعيتها في إطار الوعي التاريخي بأهمية ممارسة النقد الذاتي الذي سيخلص إلى بناء نموذج من العقلية العربية المعاصرة التي تعي حجم أخطائها وإيجابياتها في علاقاتها مع ذاتها ومع الآخر.

كما أن هذا الفعل سيؤسس إلى أنماط ثقافية جديدة قد تعمم على كافة فئات المجتمع تتميز بالواقعية والعقلانية البعيدة عن الإفراط في العاطفية وتضخيم الأنا في مقابل واقع متردي تؤكده معظم الشواهد والأحداث.

ولعل إنجاز هذا الفعل سيشكل لحظة فارقة في تاريخنا المعاصر وفي مستقبلنا، إذ أن التطور الغربي وقوته ومنعته وبقاء مشروعية نموذجه الحضاري، كلها تأتت من قدرته على قول الكلمة الحق في اللحظة التي تتطلب فيها أن تقال بدون مجاملات ولا تنميق نثري طويل.وبدون خوف من ردة الفعل التي قد تشكل انهيارا للحظات التفاهم والتواصل.

وتقع على عاتق المفكرين العرب مسؤولية كبيرة سيسجلها التاريخ، فهم الوحيدين القادرين على تفهم الإشكاليات التي يمر بها الوطن العربي، وهم الوحيدين –أيضا-الذين يمتلكون الأدوات التي تستطيع أن تنظر وتستخرج آليات لحل كل الإشكاليات التي تراكمت بدون أن تجد لها حلا بعد.لقد حاول مفكروا عصر النهضة العربية أن يخوضوا في تلك الإشكاليات وقدموا تشخيصا مهما لواقع أمتنا العربية والحلول الممكنة لها، إلا أن تلك الإسهامات لم تجد من يحتضنها ويحولها إلى مشاريع مجتمعية قابلة للتنفيذ، وبقت نفس الإشكاليات حاضرة إلى وقتنا الراهن مع زيادة تعقدها نظرا لما طرأ عليها من إشكاليات جديدة ترافق تحول المجتمعات وتعرضها لتأثيرات العولمة بأشكالها المتنوعة.



* -لا يجب الإدعاء بكمالية النظام الديمقراطي فهو حتى إن كان يقدم إجابات معقولة للمشاركة في الغرب إلا أن فيه شوائب كثيرة تحتاج إلى وقفة أخرى .

الاتصال مابين الثقافي وإشكالية المثاقفة

الاتصال مابين الثقافي وإشكالية المثاقفة

بينت التطور في الاتصال بين الثقافات في عصرنا الراهن عن تشكل ظاهرة سوسيو-ثقافية بمعنى الكلمة.لقد أصبح الالتقاء والتبادل عنصران جد متاحان، وأصبح العوائق الحدودية الكلاسيكية تنهار أمام اكتساح وسائل الاتصال الحديثة من إنترنيت وهاتف ...الخ.

ويمكن النظر للأمر من وجهين أحدهما يظهر أن هذا الاتصال له فائدته في التقريب بين الثقافات ومنع الانعزالية المفرطة التي تؤدي إلى زيادة سوء الفهم وبالتالي إلى العنف والكراهية.

والوجه الآخر يظهر أن هذا الاتصال ما هو إلا وجه من أوجه "المثاقفة"التي تقوم على تكسير مقومات الثقافات الضعيفة ومحوها شيئا فشيئا لتقوم محلها الثقافات المتطورة.وهو ما يؤشر على سوء النية في أصل هذا التواصل.

والرأيين صحيحين في سياقهما، ففعلا الآن أصبح من الممكن لساكن كوخ في إفريقيا يكون لديه ربط بالانترنيت أن يدخل إلى منتجات الثقافة وان يتعرف على أشخاص يبعدون عنه آلاف الكيلومترات مما سيشجع على تحطيم النظرة الانثروبولوجية البائدة عن الثقافات البدائية والثقافات المتطورة.

في المقابل فإن ضخامة ما ينتج من الأدوات المعرفية المتداولة يسير في اتجاه واحد وليس اتجاهين، بمعنى أن هذه الأدوات تنتج في الحضارة الغربية ويتم استهلاكها في الجنوب، الضعيف وغير المتحضر.وهنا برأيي تمكن المشكلة

لقد أصبحت دعاوى التقارب مابين الثقافات تثير الريبة والخوف لدى مثقفي الجنوب وتجعلهم يتساءلون عن أهدافها ومراميها، وهو ما يدلل على العوائق الكبيرة في التواصل بين مستويين حضاريين مختلفين من المفترض أنهما يتبادلان لا أن يمحو الواحد منهما الآخر.


"الحرقة"وإشكالية الإقصاء

"الحرقة"وإشكالية الإقصاء

انتشرت في الجزائر مؤخرا ظاهرة خطيرة سماها الشباب بالحرقة وتسمى في الأدبيات المتعارف عليها بالهجرة غير الشرعية.ومهما سميت أنها شرعية أو غير شرعية فإنها أمر واقع وتنتج مآسي يومية بين الشباب الجزائري.

الجزائر هذا البلد المتوسطي الرائع الجمال، والممتد في التاريخ مازال لم يتمكن من الوصول إلى بناء مشروع مجتمعي يستطيع أبناؤه العيش فيه بأمان على كل المستويات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية.

إن التعبير الخطير للشباب عن الشعور بالإقصاء من خلال الرمي بأنفسهم إلى البحر وركوب مغامرة خطيرة بكل المقاييس تدل على درجة القنوط التي وصل إليها.

إن محاولات تجريم هذا الفعل أو إدانته دينيا لن يمكنا من حل المشكلة، لان هذا الفعل ما هو إلا نتيجة لتراكم مجموعة من العوامل أدت في النهاية إليه.ولعل فكرة عبور البحر للوصول إلى "الجنة" والحلم الأوروبي روع أوروبا وأظهرها على حقيقتها.فكيف لدول تقع في الضفة الشمالية من البحر الأبيض المتوسط تتغنى بالحرية والديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان أن تتعامل مع هؤلاء معاملة سيئة للغاية من خلال "معتقلات الاحتجاز" والأساليب اللاانسانية التي تخصها لهم.

إن تصور الدول المتوسطية كلها لهذه المشكلة والحلول التي تبنتها خاطئة، وتعمل على تدعيم فكرة الإقصاء التي تبنى يوما بعد آخر لدى الشباب الجزائري الذي يحاول أن يهرب من ظروف اجتماعية سيئة ليجد نفسه في ظروف أسوء في عالم تصور أنه الجنة وإذا به يتحول إلى جهنم.

العلاقات الخليجية –المغاربية:هل هي وهم؟

العلاقات الخليجية –المغاربية:هل هي وهم؟

يبين واقع العلاقات الخليجية-المغاربية عن وضع مؤسف، فإذا كانت مكونات البنية الثقافية والاجتماعية والتاريخية المشتركة تعبر عن تقاطعات مهمة بين الفضائين، فإن المبادلات الاقتصادية والتجارية بينهما تكشف عن حقيقة التباعد الكبير في حجم الاستثمارات البينية.

التواصل اللغوي:هل هو المشكلة؟

تعبر بعض الوقائع عن وجود تصورات نمطية متبادلة عن الآخر بين الفضاء الخليجي والفضاء المغاربي، فبٌعد-طبعا النسبي-دول المغرب العربي عن الخليج وتميز تلك المجتمعات ببعض الخصائص الثقافية واللغوية الخاصة التي تفاعلت لديها لزمن ليس بالقصير، كلها راكمت الشعور بالابتعاد والمسافة الرمزية بينهما.

ولعل ما يجلب النظر في التصورات الشعبية الخليجية هو تصنيف دول المغرب العربي كدول لا تقدر على التواصل اللغوي "العربي"، فبحكم الاستدمار الذي تعرضت له طويلا من قوى أجنبية، والعمل الذي قامت به تلك القوى من أجل اقتلاع كل مقومات الانتماء العربي-الإسلامي لشعوب تلك المنطقة تشكلت تلك الصورة وتدعمت مع الزمن.

وعلى الرغم من كل الانجازات"الضئيلة"التي حققتها تلك القوى ، فإن غالبية شعوب منطقة المغرب العربي-إن لم نقل كلها-بقت صامدة ومحافظة على مرجعياتها الثقافية والدينية.

ولكن من المنصف القول أن بعض السياسات الاستدمارية جاءت ببعض النتائج، ولعل أبرزها ما حدث في الجزائر.ذلك أن فترة 130سنة من التواجد الفرنسي على الأرض الجزائرية والمخططات التعليمية في تغيير البنية السوسيولوجية للشعب الجزائري من خلال القيام بتحويل المنطوق العربي إلى لهجة هجينة في المرحلة الأولى -من خلال إدخال بعض الكلمات الفرنسية -للانتقال إلى المرحلة الأخيرة في استبدال اللغة العربية باللغة الفرنسية، قلت هذه السياسة مكنت الفرنسيين من "توريث" بعض الكلمات الفرنسية في الكلام اليومي للجزائريين.وهو مايصعب نوعا ما التواصل مع الإخوة العرب في منطقة الخليج .

ثم إن واقع الحال يبين أن المناطق التي "تتحدث" بالفرنسية كلغة هي قليلة جدا، وتنحصر في جزء من وسط العاصمة وبعض الولايات كبجاية وتيزي وزو نظرا لمعطيات تاريخية ليس المجال هنا لذكرها.

أما في الداخل الجزائري، فإن استخدام اللغة الفرنسية يكاد لا يذكر، بل أن الملاحظ لأشكال التواصل اللغوي فيها يتأكد من أن اللغة الفرنسية تكاد تنعدم-طبعا إن استثنينا اللهجة التي تأثرت بالتاريخ الطويل من الاحتلال- وحتى أبناء تلك المناطق لا يعرفون الفرنسية لنقص في أداء النظام التربوي.

في المقابل تظهر في بعض الدول الخليجية الانجليزية كظاهرة سوسيو-ثقافية واضحة، فأسماء الأماكن والمحلات معظمها بالانجليزية، بل إن هذه اللغة أصبحت تمثل خطرا على هوية شعوب تلك الدول.فإن كانت اللغة الحية -من حيث المبدأ -مهمة جدا كأداة للمساعدة في التطور، فإنها لا يجب أن تمثل تهديدا للغة العربية التي تبقى اللغة الأصل في المنطقة والتي يجب تٌٌطور لتواكب الحداثة والفكر.

إذا المسألة برأيي هي مشكلة تراجع في قوة اللغة العربية ووهجها في الدول العربية ككل نتيجة للتراجع الحضاري للأمة العربية.والمسألة بهذا المنظور ليست مسألة تصنيفات لشعوب عربية في منطقة وأخرى إنما هي مسألة تعني كل الشعوب العربية.