الأحد، 16 أغسطس 2009

الحوار مع الغرب: فرص التفاهم! وفرص الاختلاف!

تولي المملكة العربية السعودية أهمية خاصة لموضوع الحوار مع الآخر، وبرز هذا الاهتمام في رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لمبادرات هامة جسدت هذا المنحى من خلال رعايته للمؤتمر الإسلامي للحوار الذي عقد في مكة المكرمة، وما تلاه من مؤتمرات للحوار العالمي في مدريد بإسبانيا ومؤتمر حوار الأديان في نيويورك الذي جمع مفكري وقادة العالم.

كما أن رعايته الكريمة للمهرجان الوطني الرابع والعشرين للتراث والثقافة الذي ينظمه الحرس الوطني سنويا في الجنادرية "الجنادرية 24" لهذا العام 1430هـ تحت محور "الإسلام وحوار الثقافات"، تؤكد على الحرص الذي توليه المملكة لهذا الموضوع، كما يؤشر هذا الاهتمام على مكانة الحوار والتواصل مع الآخر لدى خادم الحرمين الشريفين، انطلاقا من مبادئ الشريعة الإسلامية التي تدعو للحوار والتواصل بين الأمم والشعوب.

هذا ولقد استهلك موضوع الحوار مع الغرب الكثير من الوقت والجهد في العالم العربي على الأقل على مستوى النخب المثقفة.وطرحت إشكاليات من قبيل كيف نقنع الغرب بأننا نريد الحوار معه؟ وكيف لنا أن نقنعه بأن يتحاور معنا؟ بمعنى آخر كيف لنا أن نقدم له عربون محبة عن نوايانا الصادقة في الحوار وابتعادنا الكلي عن كل تطرف في الرأي.

في مقابل هذا "الاستجداء" بقى الغرب يتمنع عن صناعة آليات معقولة وواقعية لتحضير شروط التواصل "المسالم" مع العرب منذ عدة قرون، بل إن التاريخ يثبت أن مجالات الاحتكاك التي حكمت علاقة الغرب بالعرب شهدت مآسي كثيرة ليس أقلها الحروب التي شنها الغرب على العالم العربي في مراحله المختلفة، والتدخلات العلنية وغير العلنية في سياساته وأنماط حكمه الداخلية.

معوقات الحوار مع الغرب:

إن المتأمل للعلاقة التي تجمع بين طرفي الحوار (العرب، والغرب) يلاحظ أن الكفة في أي حوار بين الطرفين غير متعادلة.ولو بدأنا بوضع قراءة نفسية-سوسيولوجية للطرفين سنلاحظ أن الطرف العربي (بنخبه وجماهيره) تتعامل مع الحوار مع الغرب من منطلق "الضعف" بمعنى الانبهار الحضاري بالآخر.على العكس من ذلك فإن التطور الهائل للغرب مكنه من اختيار آليات الحوار من حيث الزمان والمكان والهدف والوسيلة.

يظهر لنا في هذا التحليل مجموعة من المعوقات التي تقف أمام الحوار المفترض.إذا طبقنا معايير الحوار فإن ثلاث مكونات رئيسة للحوار بين العرب والغرب يجب أن تتوافر وهي:

1. طرفان/أو مجموعة أطراف.

2. الوسيلة/أو الوسائل.

3. الهدف/الأهداف.

تظهر أولى المعوقات التي ترهن التواصل بين الطرفين في الوضعية السوسيو-تاريخية والحضارية للمكونات البنيوية للطرفين.فالعرب يعيشون حالة وهن كبيرة دامت للعديد من القرون، في مقابل تفوق كبير للحضارة الغربية وتطورها المتنامي.كما أن خلفية الحضارة الغربية عن المجتمعات "الأخرى" قد تجد لها أصلا في تصور الحضارة الرومانية للشعوب التي تتماس معها. إذ ترسخ تلك الحضارة تصورا ينطلق من مبدأ تطبيق الحوار على المستوى الداخلي وتطبيق العنف والحرب على المستوى الخارجي.

كما أن وسيلة الحوار التي يتم تبنيها إلى حد الآن تدل على عدم فاعليتها، فالحوار النخبوي لم يستطع أن يحل إشكاليات العلاقة بين الطرفين ، كما أن وسائل الاتصال المستعملة تبقى بدائية مقارنة بالتطور التكنولوجي الكبير الذي شهدته تلك الوسائل.وهنا يتم ربط الأمر بنوايا الحوار في الأصل بمعنى لو كانت النوايا غير مشبعة بخلفيات السيطرة لأمكن تصور الوصول إلى نماذج من التعايش بين الأمم والشعوب.ولعل ارتباط الحوار دائما بالحوار الديني أفقد الحوار زخمه وفعاليته الشعبية.بمعنى أن الاقتصار على إيجاد أساليب للتفاهم على المستوى الديني - والذي أرى أنه لن ينجح ذات يوم لاختلاف المنطلقات العقائدية للأديان - يُحجم من التواصل على مستوى الأسفل أي بين الشعوب.

يمكن فهم الأمر - كذلك - من خلال الهدف أو الأهداف المعلنة وتلك غير المعلنة للحوار، فالخطاب المتشنج للغرب بعد أحداث 11سبتمبر ولد عداءً واضحا لكتلة مهمة في العالم هي الكتلة العربية الإسلامية.بل إن الخطاب السياسي الأمريكي على الخصوص والغربي على العموم أنتج مجموعة من الصور الجاهزة التي كان لها امتداد في الغرب قبل تسجيل تلك الأحداث.

لعل تشابك مجموعة من الظروف والأحداث والتأصيلات "الفكرية" المؤدلجة وظهور شحنة عاطفية من الخوف وحب الانتقام والبحث عن كبش فداء وتصور الآخر المختلف عقديا وفكريا وإيديولوجيا عن الغرب بأنه "بربري" و"شرير" و"إرهابي" ومتخلف ومهدد للحضارة الغربية ، والاعتقاد بوجود عالم يفكر بدلا عن العالم كله، وتصور الوجود بأنه مقسم بين من يملك الحقيقة كل الحقيقة وآخر يعيش على هامش التاريخ أو ما قبل التاريخ على حسب تعبير فوكوياما، كلها أنتجت تلك الأفكار النمطية المتعسفة التي تتعارض مع كل تفتح ذهني يقود إلى الحوار.

برأيي لا يمكن التحدث عن حوار وأطراف الحوار تمتلك شحنات عاطفية إقصائية مدمرة لبعضها البعض، وحتى الدعوات "الانسانوية الثقافية الكونية" التي تفترض احترام التنوع الثقافي الإنساني والخصوصيات التي تمتلكها الثقافات المتنوعة، لم تستطع أن تؤثر في مسار الأحداث العالمية.

شروط الحوار بين العرب والغرب:

إن الحوار بين العرب والغرب أكثر من ضروري بل إنه حيوي، ولكن ليس بأي ثمن. بمعنى ليس من المفترض استجداء الحوار مع الغرب لإقناعه بطهارتنا وعفتنا وحبنا له.

لنكن صريحين: إن الحوار الذي يربط طرفا ضعيفا، واهنا وعاجزا حضاريا مع آخر قوي ومتحكم في العالم ويحكمه مبدأ القوة والمصلحة لن يفضي إلى أي نتيجة معقولة ومقبولة.

هذا لا يعني طبعا قطع وسائل الاتصال، ولكن يجب تحديد أولويات الحوار من النخب الفكرية العربية المتجذرة في بيئتها المرتبطة بتربتها والمدعومة سياسيا وشعبيا. هناك في الغرب أناس يعتقدون أن التواصل مع العالم العربي ضرورة لا مناص منها ولكن هؤلاء صوتهم خافت وتغطيه متطلبات السياسة والمصالح الغربية الرسمية.

إن اكتساب العرب للقوة التكنولوجية والعلمية والمعرفية والثقافية كلها عوامل مهمة جدا لبناء قواعد جديدة في الحوار، قواعد تفرض شروطا للحوار بما يفضي إلى تفاهم مبني على تقاسم قواعد اللعبة، لا انفرادها في يد طرف على حساب آخر. كما أن "إدارة الحوار" تحتاج إلى مفكرين ومتخصصين من المستوى العالي يعرفون "من أين تؤكل الكتف"، واثقين في قدرات بلدانهم وإمكاناتها متسلحين بمشروعية سياسية وشعبية لاغبار عليها.

لو قلبنا الأمور على أوجهها لوجدنا أن كل قضايانا الإشكالية المعاصرة ترفد من نبع واحد هو ضعفنا وتقهقرنا وانكفاؤنا على أنفسنا لعدة قرون مما راكم المشكلات مع أنفسنا ومع الآخر، وفي النهاية لا يمكن أن تقنع الآخر بجدوى الحوار إذا كنت أنت لا تحاور نفسك ولا تقبل الحوار مع ذاتك ولا تعترف بشئ اسمه "حوار".

ولعل معاينة واقع الحوار بين الدول العربية وبين الشعوب داخل تلك الدول وبين الأشخاص داخل الأسرة والمدرسة ومكان العمل، كلها توضح حقيقة مفجعة. إننا لا نجد "وقتا" للحوار بل إن محاوراتنا تتم بالعنف وبأسلوب السب والشتم وحتى الضرب. ويمكن رد ذلك إلى بنية العقلية العربية ذاتها التي مازالت تعتقد أن التعبير عن الأفكار والمواقف بهدوء يعتبر ضعفا غير مقبول، وأن أفضل طريقة للوصول إلى نتائج حاسمة هي استخدام العنف والقوة.

مؤشرات الحوار بين العرب والغرب:

لقد أدت السياسات التي اتبعتها الإدارة الأمريكية السابقة إلى قطع الاتصال والحوار مع العالم العربي، فقد تبنت سياسة القوة في حل النزاعات في المنطقة العربية كما خلقت مفاهيم جديدة تعطيها مبررات للتدخل من مثل "الحرب الإستباقية" التي تتجاوز الشرعية الدولية.

كما أدت إلى إحياء مفاهيم"عقائدية" في الصراع بين الحضارات وبين محاور تصنف بعضها على أنها خيرة وأخرى شريرة. وهو ماساهم في زيادة التطرف في الآراء في قطاعات واسعة من المجتمعات العربية والغربية.

لكن مع انتهاء فترة بوش الابن، بدأ الخطاب الرسمي الأمريكي يتغير ويقدم عرابين محبة للعالم العربي، مع تبني سياسيات أكثر تفهما. ولقد بدأت المؤشرات الأولى تتكشف فور تسلم الرئيس الأمريكي الجديد لمهامه، حيث بادر بالاتصال بزعماء المنطقة العربية، كما قام بتعيين موفدين أمريكيين إلى مناطق التوتر في الشرق الأوسط. وضمن خطابه الرئاسي لهجة تصالحية مع العالم الإسلامي ركزت على ضرورة فتح صفحة جديدة في العلاقة معه، وإعلانه عن الانتهاء الرسمي لمبدأ "الحروب الإستباقية".

غير أن هذا التفاؤل لا يجب أن يقلل من حقيقة بقاء أمريكا متزعمة للعالم، بمعنى آخر ليس في أجندة الإدارة الجديدة التراجع عن النفوذ في مناطق العالم وزعامتها له ، بل الذي تغير هو طريقة فعل ذلك من خلال تبني سياسة أكثر نعومة أو كما سمتها وزيرة الخارجية الأمريكية بإستراتيجية "القوة الذكية".

وفي نفس هذا الاتجاه ولكن بطرق مختلفة تسعى السياسة الساركوزية – نسبة لساركوزي - إلى التواصل مع مناطق نفوذها التقليدية من خلال تبينها لمشروع "الإتحاد المتوسطي" والذي يهدف برأي صاحبه إلى تشجيع التنمية الاقتصادية في منطقة البحر المتوسط و رسم معالم فضاء الأمن المتوسطي و الدفع بالتنمية الاجتماعية مع العمل على حماية البيئة إضافة إلى التنمية المستديمة ودعم حوار الثقافات. غير أن بدايات المشروع صوحبت بتسجيل العديد من البلدان العربية لتحفظات عليه لتقاطع أهدافه مع مسار برشلونة (الشراكة الأوروبية المتوسطية) الذي انطلق سنة 1995، وغياب آليات تنفيذية للمشروع.

ومهما يكن من أمر فإن التجارب السابقة في الحوار بين العرب والغرب، قدمت دروسا مهمة يجب استيعابها، لعل أقلها هو ضرورة عدم الاندفاع في تصديق كل الخطابات التي تبشر بالسلام والتعايش المشترك قبل تجريبها وانتظار تحولها إلى واقع فعلي ملموس.

وتبقى بعض العقد و القوالب الجاهزة في الحكم على الآخر بين العرب والغرب أهم العوائق التي تقف أمام مبادرات الحوار والتواصل بين الطرفين. فالإرث التاريخ المشترك المملوء بالصراعات، والعلاقات الدولية الراهنة التي تحتكم لمبدأ القوة وليس للحق والأزمة الاقتصادية العالمية الخطيرة التي يشهدها العالم ، كلها تمثل عوائق موضوعية أمام التفاهم المرجو بين فضائين مهمين هما الفضاء العربي والغربي.

خلاصة:

إن فكرة الحوار تمثل ثقافة مجتمعية قبل أن تكون فكرة شخصية، فقد يكون الشخص مؤمنا بفكرة الحوار والمناقشة ولكن أنماط التنشئة الاجتماعية التي تربى عليها ومحيطه الاجتماعي الذي يحيا فيه قد يقودانه إلى تبديل قناعاته ومبادئه. كما إن فكرة الحوار على الرغم من جاذبيتها وبريقها اللامع الذي يعبر عن مستويات عليا من التحضر والمدنية، تبقى فكرة مجردة وخيالية إن لم تطبق في داخل الدول العربية ذاتها، وإن لم تجد لنفسها قوة تسندها وفكرة تقودها في حوارها مع الغرب.

ليست هناك تعليقات: